هل مصدر السنة معصوم؟
هذه الشبهة مما ردده منكرو السُّنَّة المعاصرون، وعولوا عليها كثيراً في النيل من السُّنَّة، والطعن في أساسها، وهو النبي صلى الله عليها وسلم. وتراهم وهم يرددونها يحملون أطناناً من الحقد على من أرسله الله رحمة للعالمين، وفي الوقت نفسه يحملون على المسلمين الموقرين للنبي – كما أمرهم الله – حملات أشبه ما تكون بذفرات المصدور، أو تخليطات المحموم، أو بذاءات المخمور يحملون على المسلمين لأنهم – في نظر هؤلاء الزنادقة – يقدسون النبي ويدعون له العصمة من الخطأ، وهو بشر، وكأنه إله؟! وليس لهم من سند يتكئون عليه في هذا المكر الخبيث إلا حديث تأيير النخل المعروف.
إن هؤلاء الجهلة الأغمار، أو الزنادقة الأشرار، لا يتورعون في الإساءة إلى سُّنَّة الرسول الكريم عن أي شيء يقولونه مهما كان من المنكر والزور.
أجمع علماء الأمة على أن الأنبياء معصومون في مجال التبليغ عن الله عز وجل. وجملة ما ذكروا عصمة الأنبياء عنه هي الأمور الآتية: "كتمان الرسالة – الكذب في دعواها – الجهل بأي حكم أنزله الله عليهم – أو الشك فيه – أو التقصير في تبليغه. ظهور الشيطان لهم في صورة ملك – تلبيس الشيطان عليهم – أو تسلطه على خواطرهم – تعمد الكذب في الإخبار عن الله، تعمد بيان أي حكم شرعي على خلاف ما أنزل إليهم، سواء كان ذلك البيان بالقول، أو بالفعل، أو بالرضا والموافقة.
وهذه العصمة الواجبة للأنبياء في مجال التبليغ وعدم وقوع ما يخالفها منهم من قول أو فعل، أو رضا، ليست مقصورة على الوحي المنزل إليهم من ربهم، بل هي عامة لكل ما يتصل بأصول الرسالة وفروعها وشئون التكليف.
والدليل الشرعي على ذلك متعدد، ومنه الآيات التي أمر الله فيها بطاعة رسله واتباعهم إذ لو كانوا موضع تهمة أو خطأ أو سهو أو نسيان ما أمرنا الله بطاعتهم طاعة مطلقة، هذا في شأن كل الرسل عليهم الصلاة والسلام.
وعصمة الأنبياء كما وجبت بإخبار الشرع وجبت بإقرار العقل لأن رسل الله أمناء وحي الله ورسالاته، وتصديقهم الجازم واجب ولو جاز – عقلاً – الخطأ عليهم في التبليغ عن الله، لسري الشك في أقوالهم وأفعالهم إلى كل ما بلغوه عن الله من وحي ومن غير وحي، ولما أمكن تصديقهم تصديقاً جازماً، ولفقدت الشرائع هيبتها، وهذا محال في حكم العقل، كما هو محال في لسان الشرع. هذا هو الحق، فماذا بعد الحق إلا الضلال.