هل رواية الحديث تكون بالمعنى أم باللفظ
"إن الرواية بالمعنى كانت هي الأصل بالفعل عند السابقين، ولكن علماء الحديث ظلوا يخففون من ثقل هذه الحقيقة على العقول؛ حتى لا يفزع الناس من تلقي أحكام تقال في الدين، عبر أجيال متلاحقة بطريق الرواية بالمعنى، حتى أن الإمام الشافعي جعل ذلك أصلاً من الأصول الشرعية، التي لا ينبغي أن يفزع الناس منها"؟!
فالمسألة عند هؤلاء المرجفين لا تقف عند حد التشكيك في السُّنَّة، بل تشمل الفقه وأصوله مع السنة؛ لأن أصول الفقه والفقه من أبرز مصادرهما سُّنَّة النبي صلى الله عليه وسلم وما دامت السُّنَّة مزورة وباطلة فما انبنى عليها مزور وباطل كذلك.
هذا الكلام الذي نقلناه عن أحد جنود الشيطان، أعداء الله ورسوله. ينطوي على عدة أخطاء وأوهام أملاها عليهم الشيطان. وها نحن أولاء نتصدى لبيان جهلهم وعنادهم ونكشف عن زيفهم في الخطوات الآتية:
فأولاً: إن الأصل المجمع عليه عند علماء الأمة المحققين أن رواية الحديث النبوي وقعت باللفظ والمعنى لا بالمعنى فقط كما يدعي هؤلاء المرجفون.
ثانياً: إن الرواية بالمعنى كانت موضع حرج شديد عند الرواة، وهي استثناء أو رخضة نادرة الوقوع فقد كان الصحابة يروون السُّنَّة مع الحرص الشديد على ألفاظها ومعانيها، وكانوا إذا أضطر أحده إلى رواية بالمعنى في لفظ من عنده. نبه على هذا حتى لا يظن ظان أن ذلك اللفظ من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، على أن وقوع الرواية بالمعنى – مع ندرتها لم يجزها العلماء إلا في الرواية الشفهية عند الضرورة القاهرة، أما في تدوين الحديث في كتب، فلم يجز علماء الحديث إبدال اللفظ النبوي، وإذا شك الراوي فإن عليه أن ينبه على ذلك بأن يقول: أو قال. وكذلك فإن مُخرجي الأحاديث يحرصون على ذلك كأن يقولوا "شك من الراوي".
ونضيف إلى ما تقدم في نقض دعوى منكري السُّنَّة أنها رويت بالمعنى دون اللفظ، أن النبي – نفسه – صلى الله عليه وسلم قد حث أصحابه أن يرووا عنه أحاديثه باللفظ والمعنى، بل قد نهى من سمعه يبدل لفظاً مكان لفظ ردده الراوي، أمام الرسول في مجلس السماع.