هل السنة وحي من الله؟
في هذه الشبهة يحاول منكرو السُّنَّة الحط من شأنها، وتجريدها من خصائصها الدينية، فهي عندهم مجرد كلام للنبي صلى الله عليه وسلم، وأن كلامه ليس فيه إلزامه للأمة.
ويطعنون في الحديث الشريف: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه" ويعتمدون في طعنهم فيه على حديث النهي عن كتابة أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، ويقولون لو كانت السُّنَّة من عند الله لما نهى عن كتابتها النبي بل كان المتعين الأمر بكتابتها مثل القرآن تماماً.
ويقول بعضهم: لو كانت السُّنَّة وحياً من عند الله ما أهمل النبي تدوينها وكتابتها، إلى أن يأتي البخاري ومسلم في القرن الثالث فيقوما بمهمة كان ينبغي أن يدعو إليها النبي نفسه في حياته.
السُّنَّة التي استوفت شروط الصحة سنداً ومتناً لا ريب أنها كلام نطق به النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه من مقومات الرسالة، ومتصل بمهمة التبليغ، التي من أجلها أرسل الله محمداً صلى الله عليه وسلم، ليقيم على الناس الحجة، وتتم عملية التكليف.
وما كان هذا شأنه فهو صادق كل الصدق، والناس ملزمون به مثل إلزامهم بالقرآن سواء بسواء، إذ لا فرق بين أمر أو نهي طريقه القرآن، وأمر ونهي طريقه السُّنَّة النبوية.
فالمثلية بين القرآن، وبين ما أوتيه الرسول صلى الله عليه وسلم ليست مثليه (الكم) – أعني العدد – وإنما هي مثلية (الكيف). ليست مثلية العدد فيكون عدد الأحاديث النبوية مثل عدد آيات القرآن، أو جُمل الأحاديث مساوية لـ (جُمل) القرآن، ولا ينبغي أن يخطر هذا المعنى على بال أحد. وإنما هي مثلية (الكيف) ويمكن توضيحها في الآتي: مثلية "الحقية" فالقرآن حق لا باطل فيه، والسنة حق لا باطل فيها. مثلية الطاعة والامتثال، فتجب طاعة الرسول في ما أمر به أو نهى عنه.
وبعد هذا ليس مُهماً عندنا أن يكون طريق السُّنَّة هو الوحي الحرفي، أو الوحي المعنوي، أو يكون طريقها الإلهام، أو يكون طريقها الاجتهاد كما ذهب إلى هذا بعض العلماء، وبالغ فيه منكرو السُّنَّة.
يكفينا أن السُّنَّة التي صح صدورها عن النبي صلى الله عليه وسلم: كلام خرج من فمه الطاهر، أو فعل كان هو فاعله، أو تقرير لفعل صدر من غيره فلم ينهه عنه وكان المراد بكل ذلك التبليغ عن الله عز وجل.