لماذا لم يستدل أبو حنيفة بالأحاديث كثيراً؟
الإمام أبو حنيفة النعمان رضي الله عنه، أول الأئمة الأربعة الكبار، أصحاب المذاهب الفقهية: مالك، والشافعي، وأحمد رضي الله عنهم. ولد بالكوفة عام (80هـ) وتوفي ببغداد عام (150هـ) فهو رائد الفقه الإسلامي المذهبي.
وكان هذا الإمام العظيم له خصوم سياسيون، هم الأمويون والعباسيون وكان له هو مواقف حازمة معهم من كثرة نقده لهم، وبخاصة حول بعض الأمراء الأمويين، وقد رفض الإمام أبو حنيفة منصب القضاء حين عرضوه عليه، واعتذر بأنه لا يصلح له، كما كان يرفض هداياهم، ويظهر تعففه عنها. وإعمالاً بمبدأ الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، كان رضي الله عنه ينقد في مجالسه العلمية الأحكام التي يصدرها بعض القضاة خطأ، أو فيها شيء من الخطأ.
ومن أشهر مواقفه في هذا المجال نقده لقاضي القضاة ابن أبي ليلى في حكم جلد نفذه خطأ.
ومنكرو السُّنَّة وجدوا هذه الشبهة جاهزة، فتلقفوها كما تتلقف "الجلالة" القاذورات من أكوام القمامة ثم أخذوا يعجنون منها ويخبزون، ويبالغون فيها ويضيفون زعموا أن أبا حنيفة لم يكن يقبل من السُّنَّة إلا سبعة عشر حديثاً وأن فقهه متأثر بالثقافة الفارسية الوثنية، وهو فارسي الأصل، والحنين إلى الأصل غريزة مركوزة في طباع الناس، والهدف من هذه اللجاجة الإيحاء إلى العامة بأن السُّنَّة لا يثق في صحة رواياتها الإمام أبو حنيفة، وهو من هو في الإمامة والريادة والفقه. فمن الضلال إذن اعتبار السُّنَّة مصدراً للتشريع في الإسلام؟!
إن الإمام أبا حنيفة لم يختلف عن بقية الأئمة الكبار أصحاب المذاهب الفقهية المعروفة. فأصول مذهبه هي أصول مذاهبهم المتفق عليها بينهم، وهي على الترتيب: الكتاب – السُّنَّة – القياس – الإجماع. فعلام الإساءة إلى هذا الإمام العظيم؟ وكيف يتخذ منه الضالون المضلون قدوة لهم في الإساءة إلى سنة رسول الله الكريم؟!. وقد فاتهم أن أحاديث رسول الله لم تكن قد جمعت جمعاً موسعاً مدروساً في حياة أبي حنيفة، فكان رضي الله عنه إن أعرض عن اعتماد شيء من الأحاديث فإنه يريد التثبت والتأكيد من صحته، لا أنه يرفض السُّنَّة رفضاً مطلقاً. وقد جهل هؤلاء الزنادقة أن لأبي حنيفة مسنداً في الحديث النبوي، جمع فيه أكثر من خمسمائة حديث، وهو مطبوع متداول، ولكن العناد يصيب أهله بعمي حالك، وإن كانوا يبصرون.