لماذا تشدد الخلفاء في الرواية؟
ففي مجال التشدد يتكئون كثيراً على أن الخلفاء، وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر ما كانوا يقبلون الحديث إذا سمعوه من راو واحد، حتى يؤيده راو ثان سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلما سمع الراوي الأول.
هذه الظاهرة كانت كثيرة الوقوع في عصر الخلفاء، ونحن نقر بها ولا نرفضها، ولكنا لا نفهم منها فهماً معوجاً كما يفهم أو يدعي منكرو السُّنة.
منكرو السُّنَّة يرون في هذا التشدد منقصة للسُّنَّة، ويقولون لو كانت السُّنَّة من الدين لما وقف في طريقها الخلفاء الراشدون؟! ثم يضيفون واقعة تساند هذا التشدد، وهي ما روي عن عمر بن الخطاب أنه استشار الصحابة حين أراد أن يجمع السُّنَّة في صحف خاصة بها، فوافقه الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ولكن عمر ظل يستخير الله شهراً كاملاً في كتابه السُّنَّة فلم يجيب الله إليه كتابتها فانصرف عنها.
كما يدعون أن عمر بن الخطاب كان يحبس المكثرين من رواية الحديث، فحبس ابن مسعود، وأبا الدرداء، وأبا ذر رضي الله عنهم أجمعين، وربما أضافوا إلى هؤلاء الثلاثة رابعاً.
وأيا كان الأمر فإن تشدد الخلفاء في قبول الحديث وروايته كان نبراساً لمن بعدهم، حين نشطت الأمة في عصر عمر بن عبد العزيز في جمع السُّنَّة وتدوينها. وهذا أمر كان ينبغي أن يثير الطمأنينة، ويبهج النفوس بالسعادة لحرص الأمة على حفظ سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنها لم تجمع جمعاً عشوائياً، بل أحيطت بكل عناية ودراية بدءاً من عصر الخلفاء الراشدين.
تشدد الخلفاء فتشدد علماء الحديث من بعدهم، وكان نتيجة هذا التشدد هو تنقية السُّنَّة من الدخيل والعليل وهذه محمدة يسجلها وعي التاريخ.