هل السنة النبوية تخالف الواقع المشاهد؟
فمثلاً حديث "إذا أنزل الله بقوم عذاباً، أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على أعمالهم" رواه الإمام البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهم.
منكروا السُّنَّة حكموا على هذا الحديث – كذلك – بأنه مكذوب على رسول الله. وهدفم كما هو معروف إثارة الريب حول كتب السنة، وفي مقدمتها صحيحا البخاري ومسلم.
أما السبب في هذا الكذب عندهم، فأمران كذلك:
الأول: مخالفة للقرآن؟!
الثاني: مخالفته للواقع والحس المشاهد؟!
قال أحدهم بالحرف الواحد:
فهذا الحديث أيضاً مما يكذبه الحس، فضلاً عن تكذيب القرآن الكريم له"؟!
أما مخالفته للقرآن فقد استدل عليها بأيات من الكتاب العزيز، منها:
{ وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ }
(سورة سبأ: 17).
{ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ }
(سورة القصص: 59).
{ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ }
(سورة النساء: 40).
{ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }
(سورة الإسراء: 15).
وخلاصة استشهادهم بهذه الآيات أنها تقرر وتؤكد العدل الإلهي.
أما الحديث فإنه يقدح في العدل الإلهي عندهم؟!
تفنيد هذه الشبهة ونقضها:
هذه الآيات التي استشهدوا بها على تكذيب الحديث الصحيح قرأوها بأبصارهم حروفاً، وعميت عنها قلوبهم فقهاً.
فبعض هذه الآيات خاص بعذاب الاستئصال في الدنيا كما حدث لعاد وثمود، وقد أشار القرآن وهو ينذر مشركي العرب إلى هذا فقال:
{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ }
(سورة القصص: 58)
ثم قال:
{ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ }
(سورة القصص: 59).
ولهذه الآيات نظائر في القرآن الكريم.
وبعضها خاص بالجزاء في الآخرة، ومنها قوله تعالى:
{ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }
(سورة الإسراء: 15).
ومن أصول الإيمان أن الله لا يظلم أحداً شيئاً لا في الدنيا، ولا في الآخرة. وهذا هو الذي أريده من هذه الآيات.
ولم يخرج الحديث عن هذه المعاني التي دلت عليها هذه الآيات، ولكن منكري السنة أبصروا من الحديث جزءاً وعموا عن جزء فضلوا سواء السبيل.
الجزء الذي أبصروه هو "إذا أنزل الله بقوم عذاباً أصاب العذاب من كان فيهم".
والجزء الذي عموا عنه هو: "ثم بعثوا على أعمالهم". فالحديث يقرر عدالة الله كما قررتها الآيات سواء بسواء:
فإذا غضب الله على قوم، وسلط عليهم عذاباً عاماً أو خاصاً فهلكوا أو ماتوا، وفيهم صالحون، فإن الجميع يستوون في المصير الدنيوي، ثم يفترقون في الآخر، فريق في النار، وفريق في الجنة.
بل إن السُّنَّة النبوية ترفع هؤلاء الصالحين، الذين يموتون في الكوارث إلى درجات الشهداء. فأين نسبة الظلم إلى الله في الحديث، التي يدعيها هؤلاء الماكرون؟
هذه واحدة، أما الثانية فنقول لهم فيها بصوت عال يسمع من في القبور:
إن هذا الحديث يتفق مع القرآن بدرجة 100%، ولا يوجد بين الحديث والقرآن ولا حبة خردل من خلاف.
لأن القرآن يقرر ما قرره الحديث بكل قوة ووضوح فالله عز وجل يقول في سورة الأنفال ما يأتي:
{ وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً}
(سورة الأنفال: 25).
ألم يصرح القرآن بأن الفتنة – يعني العذاب إذا نزل، لا يصيب الظالمين وحدهم، بل يصيب الظالم والعادل، والعاصي والطائع.
فما رأيكم يا منكري السُّنَّة؟ هل هذه الآية – كذلك – مكذوبة على الله، كما كذب البخاري وابن عمر – في زعمكم على رسول الله في حديث إنزال العذاب؟!
إن عليكم أن تؤمنوا بالآية والحديث معاً، أو تكفروا بهما معاً؛ لأنهما يدلان على معنى واحد.
والإيمان بالعدل الإلهي، وبصدق الرسول لا ينفك أحدهما عن الآخر.
فأين – إذن – تذهبون؟