هل منع الخلفاء الراشدون رواية الأحاديث؟
الذين يسعون الآن لعزل سُّنَّة خاتم النبيين عن حياة الأمة يتصيدون الشبهات بغير روية ولا حياء، ولم يتركوا أقوالاً مما عثروا عليه مسطوراً في الكتب مهما كان وزنها خفيفاً إلا أضفوا عليه هالة من الترويج، ليشككوا من استطاعوا من العوام في الحديث النبوي.
أما في هذه الشبهة فيركزون اهتمامهم كل التركيز على مواقف عابرة عرفت عن الشيخين أبي بكر وعمر، بل ويهولون من شأن روايات لم تثبت، لأنها تخدم غرضهم من قريب أو من بعيد.
والمعروف أن خطتي أبي بكر وعمر كانتا تهدفان إلى أمرين بالنسبة للقرآن والحديث النبوي.
أما بالنسبة للقرآن فكان الهدف توفير العناية به حفظاً وتأملاً وتلاوة، لأنه أصل الأصول في الدين كله، وبخاصة أنه لم يكن مجموعاً في أول الأمر في صحف خاصة به.
وأما بالنسبة إلى حديث رسول الله فكان الهدف التثبت فيما يروى منه، والإقلال من روايته حتى يتمكن القرآن في القلوب، ويقف المسلمون على معانيه ومقاصده، وهو الأمر نفسه الذي من أجله نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة حديثه. ثم عاد فأّذن بكتابته.
وهذه الحقائق اللائحة لم ترق أعداء السُّنَّة فاغمضوا أعينهم عنها، وصوروها في غير صورتها، وروجوا بين الناس أن السُّنَّة لو كانت من الدين ما وقف منها الشيخان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما هذا الموقف، ولاهتما بها اهتمامهم بالقرآن نفسه.
فكيف يصح عند العقلاء المنصفين أن أبا بكر وعمر كانا ينهيان عن رواية الحديث النبوي باعتبار أن الحديث ليس من الدين، ولا هو مصدر من مصادر التشريع؟! وكيف يفهم عاقل ذلك، وأبو بكر حين بدا له أن الجدة لا ترث، لخلو القرآن من ذكرها في بيان الورثة ولم يكن يعلم بسنة رسول الله فيها، ولكنه لم يتعجل في الحكم وسأل الصحابة إن كان عندهم قول من رسول الله في هذه المسألة؟ فلما شهد بذلك شاهدان، وأن الرسول أعطى الجدة السدس – قياساً على الأم – عدل أبو بكر عن رأيه الذي أبدأه أولاً. ثم ورثها السدس عملاً بسُّنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبهذا يُعلم سقوط هذه الشبهة التي يلغط بها منكرو السُّنَّة الأغبياء.