هل نستطيع نقد السند دون المتن؟
السند هو سلسلة الرواة الذين رووا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمتن هو الكلام المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبدأ السند من الراوي الذي سمع الرسول يتحدث بحديث في التبليغ عن الله، ثم الذي سمعه منه – من السامع الأول – ثم الذي سمعه من السامع الثاني وهكذا حتى المنتهى.
وقد تكون الرواية رؤية بصرية لفعل فعله النبي صلى الله عليه وسلم، أو سكوتاً منه عن فعل فعله صحابي أمام الرسول فلم ينهه عنه، فيكون ذلك السكوت دالاً على إباحة ذلك الفعل لفاعله ولغيره.
وقد هال منكر السُّنَّة ما رأوه أو سمعوا عنه من الجهود الجبارة التي قام بها علماء الحديث لنقد السند، وبدل من أن يعظموا هذا الجهد، ويتخذوا منه مدخلاً للإقرار بالسُّنَّة، عكسوا الوضع فاتخذوه مسبة قادحة في السُّنَّة، وخطط لهم الشيطان ليجعلوا الأبيض أسود، والحق باطلاً، فقالوا: إن علماء الحديث اهتموا بنقد السند، وأهملوا نقد المتن، وهو الأهم؟ لأن المعاني في المتون، وليس في الأسانيد.
والهدف الذي يريدون الوصول إليه هو الطعن في متون الأحاديث، أي الطعن في كلام النبي نفسه، ثم في أفعاله، ثم في موافقاته، على ما وقع في حضرته من أفعال أو أقوال.
ومسلك هذا الطعن عندهم أن الأحاديث المروية عن الرسول ما تزال في حاجة إلى نقد (غربلة) لأن علماء الحديث لم يقوموا بهذه المهمة، ولم يميزوا بين الحديث السليم، والحديث الدخيل، فلابد من إعادة النظر فيها لنبقي الصالح منها، ونلغي غير الصالح؟! يعني أن السُّنَّة ما زالت غُفلاً فيها باطل مجهول.
اعتناء علماء الحديث نقد السند نقداً دقيقاً واسعاً حقيقة لا يماري فيها أحد. وآثارهم تشهد بذلك الاهتمام أما نقد المتن فلم يبلغ عشر معشار نقد السند، وهذه حقيقة، لا يماري فيها أحد كذلك.
ففي نقد السند تتبعوا الرواة واحداً واحداً، حتى لكأنهم كانوا يرونهم رأي العين.
أما في نقد المتن، فقد وضعوا قواعد كلية ضابطة يمكن بمراعاتها معرفة الحديث المقبول، ومعرفة الحديث المردود. فهم – أعني علماء الحديث – لم يهملوا نقد المتن كلية، بل لهم فيه عمل حكيم محمود، وإن جحده الجاحدون فليس ما تقدم موضع جدل عندنا، وإن كان كلام منكري السُّنَّة يوهم بأن علماء الحديث لم ينقدوا المتون أي نقد واسعاً أو ضيقاً.