هل حقاً ضاعت خمسمائة خطبة نبوية؟
هذه شبهة جديدة أملاها الشيطان على بعض منكري السُّنَّة المعاصرين، ثم أخذ الآخرون يرددونها ويهولون من شأنها ظانين أنهم اكتشفوا معول هدم للسُّنَّة لم يعرفه من قبلهم أحد.
والنظر العابر في هذا الكلام يريك أن منكري السُّنَّة وظفوا هذه الشبهة للاستدلال على أن رواية الحديث النبوي ينبغي أن لا يثق فيها أحد، فقد كان تدوينها باطلاً. بدليل أنه لم يرو لنا خطبة واحدة من خطب النبي التي ألقاها في المسلمين؟!
فليس المقصود عند هؤلاء الماكرين مكر السوء أن يعاد النطر في الحديث النبوي (غربلته) للتمييز بين الصحيح وغير الصحيح من الأحاديث المدونة – الآن – في كتب الحديث المعتمدة عند الأمة، ليس هذا هو المراد، ولن يكون، بل مرادهم هو الحكم على جميع الأحاديث بالزيف والافتراء.
ثم يتمادى في الوهم، ويدعي أن سبب استبعاد ألـ 500 خطبة النبوية كان لأسباب سياسية نجمت في عصر تدوين الحديث، يعني عصر رجال القرن الثالث ومنهم الإمامان البخاري ومسلم ويقول: لأن تلك الخطب المستبعدة كانت ضد نظم الحكم في الدولة العباسية. فما كان من الأمراء إلا أن أغروا رواة الحديث على استبعاد تلك الخطب الخمسمائة عن التدوين.
وهذه الشبهة واحدة من أفضح فضائحهم على الإطلاق، وإن ظنوا أنهم فيها عباقرة ومغاوير. إنهم يدعون أن تلك الخطب لم تُدون، يعني حجبت بألفاظها ومعانيها عن رؤية النور.
أما ما نأخذه عليكم في هذا المحور (الثاني) فسببه الجهل بموضوع النزاع وهو خطب الرسول صلى الله عليه وسلم. أنتم تقولون أنها لم تدون بسبب رفض الأمراء لها، وطاعة العلماء لهم في هذا الرفض ونحن نقول: هذه فرية فيها من الرعونة، ما يحجب ضوء الشمس ونور القمر. وأقبح الجهل ما كان أرعن.
وقد حرص على جمع تلك الخطب، وتوثيقها علمياً ببيان المراجع التي ذكرتها، وحققها تحقيقاً ممتازاً، وقام بتبوبيها تبويباً فنياً منتظماً. ثم وضع عليها دراسة فقهية وبلاغية لم يسبقه إليها أحد، وتقع في أكثر من ستين ومائتي صفحة من القطع المتوسط. ولم يقتصر على جمع خطب الجمعة، بل شمل عمله الخطب التي قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المناسبات المختلفة. كالعيدين، والخسوف والكسوف.