هل تعتبر السنة حجة في الدين؟
إنكار حجية السُّنَّة أمر بدأه الزنادقة قديماً في حياة الإمام الشافعي. وقد رد عليهم هذا الإمام الجليل في المناظرة القيمة، التي جرت بينه وبين أحد الزنادقة. وسجلها الإمام رضي الله عنه في كتابه "جماع العلم".
وممن أنكر حجية السُّنَّة قديماً الغلاة من الروافض وغيرهم وليس لهم سند واحد مقبول، سوى المغالطات والأوهام. أما حديثاً فقد استندوا في إنكارهم لحجية السُّنَّة بشبهات أو هي من بيت العنكبوت.
إن القرآن احتوى على كليات التشريع لا تفصيلاته وإنما تركت التفصيلات للسُّنَّة فوقت بها حق الوفاء وكانت السُّنَّة – بهذا الاعتبار – مصدراً للتشريع عند هؤلاء المعتدلين المؤمنين بالله ورسوله، أما منكرو مصدرية السُّنَّة في التشريع فقد قضوا على أنفسهم بالجهل والسفه، أو بالجهالة والعناد.
فدور الرسول – هنا – تبيين ما في التنزيل، وتبيين الرسول هو سنته القولية والعملية, ولولا هذه السنة ما عرف الناس للتفكر طريقاً.
ويترتب على هذا أن التبيين له عند الله ما للمبين، وهو الذكر، أو أن التبيين هو الذكر الثاني بعد القرآن، وحفظ هذا الذكر ضرورة من ضرورات الرسالة والتبليغ لذلك هيأ الله لسُّنَّة رسوله رجالاً أفذاذاً جمعوها ودونوها ونقوها من الدخيل والعليل، والمكذوب الموضوع.
ولولا عناية الله وحفظه لسُّنَّة رسوله، لأنها تبيين لكتابه العزيز لضاعت في ركام التاريخ.
أما استدلالهم بأن السُّنَّة ظنية لا قطعية، فمردود عليهم لأن هذه "الظنية" كما توصف بها السُّنَّة يوصف بها كثير من أدلة الأحكام في القرآن:
لأن القرآن وإن كان قطعي الثبوت فدلالاته الاحتمالية أو الظنية لا تكاد تحصى. ولم يجرؤ أحد أبداً على القول بأن القرآن ليس مصدراً للتشريع فيما كانت دلالته احتمالية ظنية وهؤلاء يلزمهم أن يسووا بين ظنيات السُّنَّة، وظنيات القرآن، فإما أن يقروا بهما معاً فيهتدوا وإما أن ينكروهما معاً فيضلوا.
فالمعول عليه في القرآن والسُّنَّة هو الدلالة المستفادة من الدليل (الآية – الحديث) فالأمر يؤول في النهاية إلى الدلالة. وظنية الدلالة كما توجد في السُّنَّة توجد في القرآن. فلماذا تفرقون بين المتساويين أيها المرجفون؟
إن الإصرارعلى الباطل، مع دلائل الحق، أمر يدعو إلى الإتهام بسوء النية والقصد، لا بالخطأ في الاستدلال. وهذا ديدن منكري السُّنَّة، منذ أول شبهة تصدينا لها من شبهاتهم إلى هذه الشبهة التي هي آخر مسمار في نعوشهم. ولكنه مسمار غليظ وستكوى به وجوههم وجنوبهم وظهورهم في نار جهنم.
لم تطاوعنا النفس أن نكتب "أدلة حجية السُّنَّة" لأن السُّنَّة ليست في حاجة – ورب السموات والأرض – إلى سوق أدلة على أنها حجة في الدين؛ لذلك اكتفينا بعبارة "حجية السُّنَّة" بدلاً من ذكر كلمة "أدلة" قبلها، لما عرفت من أن السُّنَّة ليست في حاجة إلى أدلة على إثبات حجيتها في الدين، بل في كل صغيرة وكبيرة في حياة المسلمين: أفراداً وجماعات، وشعوباً، وأمة.
فقد أفرد الله رسوله بالمجيء إليه وإلى سنته، بعد أن أفرد المجيء إلى ما أنزله عليه وهو القرآن. فهل بعد هذا يطلب مؤمن عنده ذرة من عقل دليلاً على حجية السنة من القرآن؟