مراعاة الظروف والمواقف المختلفة
مما لا شكَّ فيه أن الظروف المختلفة التي تمر بالإنسان، لها أثرُها على تفكيره وتعامله، وأنه قد يتصرَّف في موقفٍ ما غيرَ تصرُّفه في موقف آخرَ، ففي وقت الخوف نقبل من الناس ما لا نقبل منهم وقت الأمن، وهم في وقت الفرح يقولون ما لا يقبلون به في وقت الحزن، ولقد رأينا كيف كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين يتعامل مع الناس يراعي تلك الحالات الشعورية التي تختلف عند كلِّ موقف، كما كان يراعي اختلاف أحوال الشخص، فلا يكلِّفه بما لا يطيق أو يعنِّفه في أمرٍ لم يكن بيده.
ولننظر إلى مواقف الرسول العظيم، وكيف كان متفهِّمًا ومدركًا لمشاعر أصحابه في كلِّ موقف:
أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك:
فها هو مع بلال - رضي الله عنه - يُظهر رفقًا وحِلْمًا، ولم يعنِّف مثلما نفعل كثيرًا نحن مع الأصحاب والأبناء:
ولنقف مع رواية أبي هريرة يحدِّثنا عن ذلك الموقف:
أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين قَفل من غزوة خيبر، فسار ليله حتى إذا أدركه الكَرى عرَّس، وقال لبلالٍ: اكْلأ لنا الليل، فصلَّى بلال ما قدِّر له، ونام رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابه، فلمَّا تقارب الفجر، استند بلال إلى راحلته مواجهَ الفجر، فغلبت بلالاً عيناه وهو مستند إلى راحلته، فلم يستيقظ بلال ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس، فكان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أوَّلهم استيقاظًا، ففَزِع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: أي بلالُ، فقال بلال: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: اقتادوا فاقتادوا رواحلَهم شيئًا، ثم توضَّأ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأمر بلالاً فأقام الصلاة، فصلَّى بهم الصُّبح، فلما قضى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الصلاة، قال: مَن نسِي صلاة، فليصلِّها إذا ذكَرها؛ فإن الله - عز وجل - قال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]
[1].
وهكذا رأينا الحبيب يتفهَّم تعب بلال، ويقدِّر حالته، فلا يغضب ولا يُعنِّف!
---------------------
[1] الراوي: أبو هريرة، المحدث: الألباني، المصدر: صحيح ابن ماجه، الصفحة أو الرقم (577).