هل نستطيع الاكتفاء بالقرآن دون السنة؟
ورب السموات والأرض وما فيهن وما بينهن، أن القول بالاكتفاء بالقرآن مستحيل.
القرآن لن يشمل على كبيرة وصغيرة مما يحتاج إليه المسلمون في حياتهم.
بل إن السُّنَّة – رغم ما فيها من كثرة التفاصيل، لم تشتمل على كل صغيرة وكبيرة مما يحتاج إليه المسلمون في حياتهم.
لذلك هدى الله الأمة من صدر الإسلام الأول، والقرون التي جاء بعده إلى ملء كل الفراغات المتروكة – قرآنا وسنة – لحكمة بوسائل أخرى وقت المطلوب، مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله الكريم، وهي: القياس، والإجماع، ثم الاستحسان الشرعي، والاستصحاب، وسد الذرائع، والمصالح المرسلة، وشرع من قبلنا وعمل أهل المدينة عند المالكية والعرف والعادة، على اعتبارات متفاوتة عند الفقهاء فالحياة واسعة، والمستجدات فيها لم ولن تتوقف، فكان لابد من أن يملك التشريع الإسلامي أدوات فرعية مستمدة من أصلي التشريع الأول والثاني (الكتاب والسنة) لملاحقة الوقائع والأحداث المستجدة.
فمن الجهل والغباء حصر مصدر التشريع في القرآن وحده، نعم أنه أصل أصول التشريع. أما أنه يغني عن جميع الأصول والأدوات المستمدة منه، فهذا لا يقوله من عنده ذرة من علم وفهم.
إن في هذا دعوة إلى "تحنيط القرآن" وحرماناً للأمة من الانتفاع به، ومنكرو السُّنَّة يعلمون ذلك، ولكنهم يريدون أن يحلوا الأمة دار البوار، تحقيقاً لمطالع خصومها الألداء.
لولا السُّنَّة لتعطلت أربعة أركان الإسلام العملية، وهي: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج إلى بيت الله الحرام.
فليس في القرأن من أحكام الصلاة سوى تقرير وجوبها وحسن أدائها. وليس في القرآن عن الزكاة إلا الأمر بأدائها وبيان الجهات الثماني (المصارف) التي تستفيد منها. وليس في القرآن عن الصيام إلا بعض من أحكامه بعد بيان وجوبه على المكلفين. وليس في القرآن عن الحج إلا طائفة من أحكامه.
أما أركان الصلاة وواجباتها وسننها وشروطها وعدد ركعات الفرض الواحد، وإفراد الركوع وتثنية السجود وكيفية كل منهما، والصلوات المفروضة والمسنونة والمندوبة، وكيفية القراءة فيها، والدخول فيها والخروج منها، إلخ، إلخ، فهذا ما لا وجود له في القرآن، وطريق معرفته السنة. وأما ما هي الأموال التي تجب فيها الزكاة، وشروط الزكاة ومقاديرها، إلخ، فهذا ما لا وجود له في القرآن، وطريق معرفته السُّنَّة.
وهذا يقال عن كل من الصيام والحج، فكيف تكتفي الأمة بالقرآن عن السُّنَّة، والسُّنَّة روح القرآن ومفاتيح فهمه والعمل به.