التعامل مع القادة والرموز
كان رسول الله يتعامل بفنٍّ مع القادة، فيُنزلهم منازلهم، ويَعرف لهم قدْرهم؛ لذلك كانوا حين يتعاملون مع رسول الله، يدركون عظمة النبوة فيه، ويدخلون في هذا الدين العظيم الذي يعرف لكل إنسان قدْره ومكانته.
ولننظر في تلك المواقف العملية؛ لنرى كيف تعامل الرسول مع بعض القادة والزعماء في قومهم:
ما مثل سهيل يجهل الإسلام:قال سهيل بن عمرو: لَمَّا دخل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مكة وظهر، انقحَمت بيتي وأغلقت عليَّ بابي، وأرسلت إلى ابني عبدالله بن سهيل أنِ اطْلب لي جوارًا من محمد، وإني لا آمن من أن أُقتل، وجعلت أتذكَّر أثَري عند محمد وأصحابه، فليس أحد أسوأَ أثرًا مني، وإني لقيت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يوم الحديبية بما لم يلحقه أحد، وكنت الذي كاتبتُه، مع حضوري بدرًا وأُحدًا، وكلما تحرَّكت قريش كنتُ فيها، فذهب عبدالله بن سهيل إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، تُؤمِّنه؟ فقال: ((نعم))، هو آمِن بأمان الله، فليظهر، ثم قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لمن حوله:
((مَن لقِي سهيل بن عمرو، فلا يشدَّ النظر إليه، فليخرج، فلعَمري إن سهيلاً له عقل وشرفٌ، وما مثل سهيل يجهل الإسلام، ولقد رأى ما كان يوضع فيه أنه لم يكن له بنافعٍ))
فخرج عبدالله إلى أبيه، فقال سهيل: كان والله بَرًّا، صغيرًا وكبيرًا، فكان سهيل يُقبل ويُدبر، وخرج إلى حُنين مع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو على شرْكه حتى أسلمَ بالجِعْرانة[1].
لقد كان لهذه الكلمات التربوية الأثر الكبير على سهيل بن عمرو؛ حيث أثنى على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالبِرِّ طوال عمره، ثم دخل في الإسلام بعد ذلك، وقد حَسُن إسلامه، وكان مكثرًا من الأعمال الصالحة، يقول الزبير بن بكار: كان سهيل بعدُ كثيرَ الصلاة والصوم والصدقة، خرج بجماعته إلى الشام مجاهدًا، ويقال: إنه صام وتهجَّد؛ حتى شَحَب لونه وتغيَّر، وكان كثيرَ البكاء إذا سمِع القرآن، وكان أميرًا على كردوس يوم اليرموك[2].
------------------------------
[1] انظر: مغازي الواقدي (2/ 846 - 847), المستدرك؛ للحاكم (3/ 381).
[2] السيرة النبوية؛ د علي الصلابي.