هل صحيح تم حرق كتب الأحاديث؟
رددت الصحف والمجلات في الآونة الأخيرة هذه الشبهة كثيراً، في مقالات لزنادقة العصر، الكارهين لما أنزل الله وما قال رسوله.
كما رددها بعضهم في كتب وضعوها خصيصاً لنسف السُّنَّة النبوية من الوجود. ثم أحاطوا بهالة جوفاء من التهويل، حتى ليخيل لقاريء مقالاتهم وكتبهم أن دخان الحرائق التي اشتعلت في كتب الحديث كاد يحجب ضوء الشمس، وأن رائحته ما تزال تزكم الأنوف.
ومبالغة في التهويل ادعوا إشعال هذه الحرائق في ثلاثة أعصر شديدة الحساسية في الإسلام. عصر النبي نفسه صلى الله عليه وسلم, عصر الصديق أبي بكر رضي الله عنه، عصر الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
إنهم يريدون أن يوهموا العامة أن التمسك بالسنة والإيمان والعمل بأحاديث ذي الخلق العظيم، إنما هو بدعة وضلالة ليست من الدين في شيء وإذا كان حرق كتب الحديث قد حدث في عصر النبوة، وعصر صاحبيه الجليلين أبي بكر وعمر، فماذا تنتظر الأمة – الآن – من بقاء البخاري ومسلم وسائر كتب الحديث إلا خيبة الرجاء؟ إنهم يهيبون بالأمة أن تشعل الحرائق من جديد في ما يعرف بـ"كتب الحديث" لتنجو من الضلال والضياع الذي هي فيه.
هذه الشبهة مبالغ فيها من قبل الذين يروجون لها الآن، بل هي أقوال مذكورة على عواهنها لا تثبت أمام النقد. "قالت عائشة: جمع أبي بكر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت خمسمائة حديث، فبات ليلته يتقلب كثيراً. فغمنى فقلت: أتتقلب لشكوى أو لشيء بلغك؟ فلما أصبح قال: أي بنية، هلمي الأحاديث التي عندك فجئته بها، فدعا بنار فأحرقها؟ فقلت: لم أحرقتها؟ قال: خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عنها رجل أئتمنته ووثقت [فيه] ولم يكن كما حدثني، فأكون قد نقلت ذاك".