لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ –
أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً. إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ".
من المعلوم لدينا جميعاً أن الإنسان إذا ما أعطى شيئاً حرم آخر، فهو مرفوع في جهة مخفوض في جهة أخرى، فإن استحق الثناء على صفة من صفاته أو فعل من أفعاله فلابد أن يلاحقه الذم في صفة أو أكثر أو في فعل أو أكثر، فليس لأحد أن يدعي الكمال في شيء إلا الأنبياء، فإن لهم الكمال البشري، فلا يعابون على شيء فعلوه أو اتصفوا به، ومع ذلك فإنهم لا يجدون كل ما يحتاجون إليه في هذه الحياة، وربما عاش الكثير منهم كفافاً لا يجد من العيش ولا من الثياب إلا ما يسد الرمق ويستر العورة.
وعلى ضوء ما ذكرناه يفهم هذا الحديث ويعرف ما وراء معانيه من المقاصد السامية، فإن الرجل إذا تزوج امرأة أعجبته في خلقها وخُلُقها فلا يفترض أبداً أنها قد حازت الغاية في كل ما يبتغيه منها.
إنها امرأة تمدح في كذا وكذا، ويعاب عليها في كذا وكذا، هذا شيء لابد منه، فلا ينبغي له إذا أن يبغضها بغضاً يحمله على هجرانها وإيذائها أو طلاقها، بل لابد أن يزن محاسنها ومساوئها بميزان صحيح، فإن وجد محاسنها أكثر من مساوئها فهي نعم الزوجة.
فالزوج مثلاً قد يرى من زوجته عيباً في خلقها أو في خُلقها فلا ينبغي أن يفركها يعني يبغضها فإنه إن كره منها خُلقاً رضى منها آخر.
ويلاحظ أن النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قد اهتم في هذه الوصية بالجانب الخُلُقي أكثر من اهتمامه بالجانب الخلقي، فقال: "إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ" وذلك لأن الجانب الخلقي أهم بكثير من الجانب الخلقي لدى الرجل والمرأة، فالعاقل منهما ينظر أولاً إلى الدين والخلق ثم ينظر بعد ذلك إلى الجوانب الجسمية والمادية.
فمن ظفر بذات الدين فقد نال منتهى البغية، ويكفي أنه إذا نظر إليها سرته وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته في ماله وعرضه.
والمخاطب في هذا الحديث هو المؤمن؛ لأنه هو الذي ينتفع بالذكرى وتؤثر فيه الموعظة، وهو الذي يستجيب لله وللرسول لما فيه سعادته في الدنيا والآخرة.
ولذا لم يقل رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لا يفرك رجل امرأة، بل قال: "لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً".
اقرأ المزيد :