إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ
عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ الأسدي الكوفي – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ:
لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ".
أي إخوانكم هم خَدَمكم، ولم يقل: "خَوَلُكُمْ إِخْوَانُكُمْ" مبالغى في إثبات الأخوة لهم على وجه الاختصاص بتقديم الخبر على المبتدأ؛ لأن ملازمة الخدم لمخدوميهم لا تقل عن الأخوة النسبية في شيء إذا كان الإيمان هو الداعي إليها والباعث عليها.
وقد يصنع الخادم لمخدومه ما لا يصنعه الأخ لأخيه وهو ابن أمه وأبيه.
ولذا قالوا: رب أخ لك لم تلده أمك.
ولقد أكد الله الأخوة الإيمانية في كثير من الآيات القرآنية كقوله تعالى:
{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا }.
فليكن المخدوم عطوفاً على خدمه رءوفاً بهم، مقدراً لمشاعرهم مراعياً لظروفهم ومدى حاجتهم وتطلعهم إلى ما في أيدي المخدومين من متع الحياة.
فلو أعطاه شيئاً منه طابت نفسه وَسَلَمَ قلبه من الغيرة والحقد والحسد والشعور بالمذلة والمهانة والحرمان، وأحس أنه واحد من الأسرة، فبالغ في تأدية واجبه على النحو الذي يرضاه مخدومه، وكان حريصاً على مصلحته لا يأتي من الأعمال ما يسوؤه، وإن وقع شيء مما يسوؤه خجل من نفسه، وبادر بالاعتذار إليه.
فالخادم يطيعك بقدر ما تعطيه، ويحرص على منفعتك بقدر ما تحرص على شعوره وكرامته كإنسان.
فهو إما أن يكون أميناً وإما أن يكون خائناً، فالأمين يجب إكرامه والإنعام عليه، والخائن يجب طرده وعدم الإبقاء عليه.
إن الكريم حين تكرمه تملك عليه مشاعره وأحاسيسه وتجعله مطيعاً لك، ودوداً لأسرتك، محباً لك الخير دائما في حضورك وفي غيبتك، بخلاف اللئيم، فإنك مهما أعطيته لم يشكرك، ومهما أحسنت معاملته لم يحسن إليك.
ولنا في رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أسوة حسنة، فقد كان يشارك نساءه وخدمه مهنتهم بسرور وحبور، فكان يخيط ثوبه، ويخسف نعله، وغير ذلك.
وكان يشارك أصحابه في أعمالهم ولا يحب أن يتميز عليهم، بل كان يقوم بالأعمال التي تغلبهم.
للمزيد :