عدي بن حاتم أسلم، تسلم

عدي بن حاتم أسلم، تسلم

فاطمة محمد عبدالمقصود العزب

عدد المشاهدات : 24

عندما وقعت أختُ عدي بن حاتم في أسْر المسلمين، عاملها رسول الله معاملة كريمة، وبقِيَت معززة مكرمة، ثم كساها النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأعطاها ما تتبلغ به في سفرها، وعندما وصلت إلى أخيها في الشام، شجَّعته على الذهاب لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فتأثَّر بنصيحتها وقدِم على المدينة[1]. 

ونترك أبا عبيدة بن حذيفة يحدِّثنا عن قصة إسلام عدي:

قال أبو عبيدة بن حذيفة: كنت أُحدَّثُ عن عدي بن حاتم، فقلت: هذا عدي في ناحية الكوفة، فلو أتيتُه فكنت أنا الذي أسمع منه، فأتيته فقلت: إني كنت أُحدَّث عنك حديثًا، فأردت أن أكون أنا الذي أسمعه منك، قال: لَمَّا بعث الله عز وجل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فررتُ منه حتى كنت في أقصى أرض المسلمين مما يلي الروم، قال: فكرهتُ مكاني الذي أنا فيه حتى كنت أشدَّ كراهية له مني من حيث جئت، قال: قلت: لآتينَّ هذا الرجل، فوالله إن كان صادقًا، فلأسمعنَّ منه، وإن كان كاذبًا، ما هو بضائري، قال: فأتيتُه واستشرفني الناس، وقالوا: عدي بن حاتم، عدي بن حاتم، قال: أظنه قال ثلاثَ مِرارٍ، قال: فقال لي: يا عدي بن حاتم، أسلمْ، تسلَمْ، قال: قلت: إني من أهل دين، قال: يا عدي بن حاتم، أسلم، تَسلم، قال: قلت: إني من أهل دين، قالها ثلاثًا، قال: ((أنا أعلم بدينك منك))، قال: قلت: أنت أعلم بديني مني؟ قال: ((نعَم)) قال: ((أليس ترأس قومَك؟)) قال: قلتُ: بلى، قال: فذكر محمد الرَّكوسيَّة[2]، قال كلمةً التمسَها يُقيمها فتركَها، قال: فإنه لا يحلُّ في دِينك المِرباع[3].

قال: فلمَّا قالها، تواضعتُ لها، قال: ((وإني قد أرى أن مما يمنعك خصاصةً تراها ممن حولي، وأنَّ الناس علينا إِلْبًا واحدًا، هل تعرف مكانَ الحيرة؟)) قال: قلت: قد سمِعت بها ولم آتِها، قال: ((لتوشكنَّ الظعينةُ أن تخرج منها بغير جِوارٍ حتى تطوف بالكعبة، ولتوشكنَّ كنوز كسرى بن هرمز تفتحُ))، قال: قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: ((كسرى بن هرمز - ثلاث مرات - وليوشكنَّ أن يبتغي من يقبل مالَه منه صدقة، فلا يجد))، قال: فلقد رأيتُ اثنتين، قد رأيت الظعينة تخرج من الحيرة بغير جِوار حتى تطوف بالكعبة، وكنت في الخيل التي أغارت على المدائن، وايم الله، لتكوننَّ الثالثة؛ إنه لحديث رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حدَّثنيه[4].

وفي رواية جاء فيه: فخرجت حتى أَقدَم على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - المدينة، فدخلت عليه، وهو في مسجده، فسلَّمت عليه، فقال: ((مَن الرجل؟))، فقلت: عدي بن حاتم، فقام رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فانطلق بي إلى بيته، فوالله إنه لعامد بي إليه، إذ لَقِيَتْه امرأة ضعيفة كبيرة، فاستوقفته، فوقف لها طويلاً تُكلمه في حاجتها، قال: قلت في نفسي: والله ما هذا بملِكٍ، قال: ثم مضى بي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتى إذا دخل بي بيته، تناوَل وسادة من أَدَمٍ محشوة ليفًا، فقذفها إليَّ، فقال: ((اجلس على هذه))، قال: قلت: بل أنت فاجلس عليها، فقال: ((بل أنت))، فجلست عليها، وجلس رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالأرض، قال: قلت في نفسي: والله ما هذا بأمرِ ملِكٍ[5].

كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - موفَّقًا في دعوته؛ حيث كان خبيرًا بأدواء النفوس ودوائها، ومواطن الضَّعف فيها، وأَزِمَّة قيادها، فكان يُلائم كل إنسان بما يلائم علمه وفكره، وما ينسجم مع مشاعره وأحاسيسه؛ ولذلك أثَّر في زعماء القبائل، ودخل الناس في دين الله أفواجًا[6].

باذان بن ساسان:

لَمَّا أسلم باذان بن ساسان وكان أميرًا على اليمن، لم يعزله رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بل أبقاه أميرًا عليها بعد إسلامه، حين رأى فيه الإداريَّ الناجح والحاكم المناسب؛ مما يُدلِّل على أن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقدِّر الكفاءات في الرجال، ويضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ومن الجدير بالذكر أن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد ولَّى ولده شهرًا أميرًا على اليمن بعد موته[7].

------------------------

[1] التاريخ الإسلامي (8/ 81).

[2] قوم لهم دين بين النصارى والصابئة؛ النهاية (2/ 259).

[3] المرباع: هو رُبع الغنيمة يأخذه سيِّد القوم قبل القِسمة.

[4] صحيح السيرة النبوية، ص (580).

[5] السيرة النبوية؛ لابن هشام (4/ 236).

[6] السيرة النبوية؛ د. علي الصلابي.

[7] السيرة النبوية؛ د .علي الصلابي.